أمام الدورة الـ55 بجنيف.. المفوضية السامية تناقش أثر الفجوات الرقمية على حقوق الإنسان

أمام الدورة الـ55 بجنيف.. المفوضية السامية تناقش أثر الفجوات الرقمية على حقوق الإنسان
مجلس حقوق الإنسان في جنيف

تستعرض المفوضية السامية لحقوق الإنسان أمام الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة حاليا في جنيف تقريراً بشأن أنجح السبل للالتزام بالحكم الرشيد لمعالجة أثر مختلف الفجوات الرقمية على حقوق الإنسان.

وتستهدف المفوضية من حلقة النقاش مناقشة الأسباب الجذرية لمختلف الفجوات الرقمية وأثرها على حقوق الإنسان، وبيان مدى أهمية البيانات والمؤشرات في قياس الحكم الرشيد ودورها في سد الفجوات الرقمية، بما فيها الفجوات بين الجنسين، وتضمن التقرير تبادلاً للمعلومات والخبرات والممارسات الجيدة، مع تسليط الضوء على التجارب الناجحة والممارسات الواعدة التي تهدف إلى سد الفجوات الرقمية على الصعيدين المحلي والوطني، ولا سيما بين الفئات التي تتأثر أكثر من غيرها.

ونوه التقرير إلى دور الحكم الرشيد في سياق معالجة الفجوات الرقمية، وفرص استخدام المعلومات والتكنولوجيات الرقمية لمنع الفساد والتصدي له، وما الذي ينبغي أن يكون عليه تصميم هذه التدابير وتنفيذها في سياق الفجوات.

كذلك تحديد استراتيجيات الحوكمة الرقمية الفعالة بغية تعزيز عملية التنظيم الرامية إلى سد الفجوات الرقمية ولإدماج نهج قائم على حقوق الإنسان في تقديم الخدمات العامة، ومناقشة هذه الاستراتيجيات.

البيانات الافتتاحية

شدد المفوض السامي، في ملاحظاته الافتتاحية بالتقرير، على أهمية الحكم الرشيد وحقوق الإنسان في التصدي لمختلف التحديات التي تواجهها الحكومات اليوم، وسلط الضوء على ضرورة أن تخدم الحكومات الجمهور لا المصالح الضيقة للنخب وأن تحدد التحديات الراهنة، ومنها أزمة المناخ وفقدان الثقة في المؤسسات والتوترات الجغرافية السياسية والمخاطر والفرص الناشئة عن العصر الرقمي. 

وذكر أن التصدي لهذه التحديات سيكون أكثر فعالية عندما تدمج فيه ضوابط حقوق الإنسان ومبادئ الحكم الرشيد المتمثلة في الشفافية والمسؤولية والمساءلة والمشاركة والاستجابة كي يستفيد منها جميع أفراد الجمهور. 

وسلط المفوض السامي الضوء أيضاً على تأثير جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) التي كشفت الفجوات الرقمية الموجودة داخل البلدان وفي ما بينها، وأقر بما للخدمات الإلكترونية من فوائد لكنه أشار أيضاً إلى أن كثيراً من الأشخاص، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في فقر وفي مناطق نائية بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوو الإعاقة، قد تركوا خلف الركب بسبب ارتفاع تكلفة الاتصال ومحدودية الإلمام الرقمي، وينظر إلى الفجوة الرقمية بوصفها شكلاً جديداً من أشكال عدم المساواة، إذ بات الوصول عبر الإنترنت أمراً حاسماً للوصول إلى المهارات والمعلومات والتجارة، وجرى التشديد على أهمية الوصول الشامل إلى شبكة الإنترنت باعتباره أداة تمكن من إعمال حقوق الإنسان.

ودعا أيضاً إلى اتخاذ تدابير حوكمة إضافية لمعالجة الفجوات الرقمية، بما في ذلك تحسين الإلمام الرقمي وخفض التكاليف، وأدان الإغلاق الشامل للإنترنت، الذي يستخدم غالباً لقمع الانتقادات والاحتجاجات، وشدد على ما لذلك من أثر سلبي على حقوق الإنسان وسلط الضوء على الجهود المبذولة المكافحة الفساد من خلال الابتكارات التكنولوجية وأدوات الحكومة الرقمية، غير أنه نبه إلى أن هذه الأدوات يجب أن تتسم بالشفافية للحيلولة دون إساءة استخدامها. 

وأشار إلى الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي وأقر بقدرته على تعميق أوجه عدم المساواة وتهديد حقوق الإنسان، ودعا إلى وضع لوائح واضحة وآليات حوكمة الاستخدام الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان. 

وشدد على الحاجة إلى تعاون يتعدد فيه أصحاب المصلحة بهدف إنشاء أمور تنظيمية للتخفيف من مخاطر الذكاء الاصطناعي وتسخير فوائده، بما في ذلك وضع آليات رقابة قوية من أجل إنقاذ أوجه الحماية وإتاحة سبل الانتصاف عند انتهاك هذه الأوجه. 

وشدد المفوض السامي على أهمية الحكم الرشيد وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في التصدي للتحديات التي يفرضها العصر الرقمي، وأعرب عن رأي مفاده أن الحكم الرشيد يشمل الشفافية واتخاذ القرار في الأمور المحيطة بالذكاء الاصطناعي، مع إجراء مناقشات صريحة مع أصحاب المصلحة المتعددين بشأن كيفية تنظيم عملية تطوير القطاع الخاص والدول للذكاء الاصطناعي واستخدامها له، وكذلك في مجال تنظيم المنصات والأدوات الأخرى على شبكة الإنترنت، مثل شركات وسائل التواصل الاجتماعي. 

وناقش رئيس مجلس حقوق الإنسان، في ملاحظاته، أثر الفجوات الرقمية على حقوق الإنسان وشدد على ضرورة معالجتها، وأقر بأن الفجوات الرقمية المختلفة لا تزال قائمة على الصعيد العالمي، إذ لا تتاح لأكثر من نصف سكان العالم إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت بفعل الاختلالات في موازين القوى والتفاوتات الاقتصادية وعدم كفاية البنية التحتية، ويؤدي عدم إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت إلى عدم المساواة في الحصول على الخدمات العامة الأساسية، وهو ما يؤثر على الأفراد المهمشين والضعفاء على وجه الخصوص. 

وشدد أيضاً على ما للحكم الرشيد من دور محوري في التخفيف من أثر الفجوات الرقمية على حقوق الإنسان، ويعد الحكم الرشيد، متى اتسم بالشفافية والمسؤولية والمساءلة والانفتاح والمشاركة، أساساً لسد هذه الفجوات. 

وسلط الضوء على الجهود التي يبذلها مجلس حقوق الإنسان الذي يعكف على معالجة هذه القضية منذ عام 2008.

سيادة القانون والنهوض بالسلام والتنمية المستدامة

وفي التقرير سلط كبير الإحصائيين في مفوضية حقوق الإنسان، الضوء على دور المنظمة الدولية لقانون التنمية بوصفها المنظمة الحكومية العالمية الوحيدة المكرسة لتعزيز سيادة القانون من أجل النهوض بالسلام والتنمية المستدامة، وشدد على أن المنظمة تسد الفجوات الرقمية من منظور حقوق الإنسان، والفجوة الرقمية هي بطبيعتها قضية من قضايا حقوق الإنسان. 

وأوضح أن عدم إتاحة الوصول إلى التكنولوجيا يؤثر على المساواة وعدم التمييز والحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والمشاركة في الحوكمة والاقتصاد، وتؤدي الفجوة الرقمية إلى تفاقم أوجه عدم المساواة المتقاطعة، وهو ما يؤثر على الفئات السكانية الضعيفة على وجه الخصوص. 

وقدم إحصاءات توضح على المستوى الكلي، التفاوتات في الوصول إلى شبكة الإنترنت بين المناطق وبين الجنسين، وبوجه عام، يقل عدد النساء اللاتي يتاح لهن الوصول إلى الإنترنت عن عدد الرجال بواقع 259 مليوناً. 

ويمكن للرقمنة، عند عدم تنفيذها بطريقة تشمل الجميع، أن تعيد إنتاج التحيزات التاريخية، وهو ما يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان وإلى إدامة التفاوتات، وسلط الضوء كذلك على قضية إغلاق الإنترنت وما له من أثر على الإنصاف والمساواة والتمييز، وقد أظهرت البحوث المتعلقة بفجوة العدالة أن لدى الأشخاص درجات متفاوتة من الاحتياجات القانونية غير الملباة التي يمكن أن تتفاقم بفعل انعدام أو ضعف الاتصال أو الموارد المالية أو القدرات اللغوية اللازمة للمشاركة عبر الإنترنت، ولا تكفل الأطر القانونية الحالية دائماً تصميم التكنولوجيا بحيث تراعي الأمان ومنع العنف وآليات الانتصاف عند انتهاك الحقوق. 

وتتيح معالجة الفجوة الرقمية من خلال منظور قائم على حقوق الإنسان أدوات مهمة لتصحيح أوجه القصور.

وشدد على الحاجة إلى تحسين قدرة الأشخاص على التصرف في البيئات الرقمية، وتعزيز الفهم العام لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكفاءة تلبية الرقمنة احتياجات الأشخاص وحمايتها حقوقهم على حد سواء. 

ودعا إلى تحسين البيانات لفهم تأثير الفجوات الرقمية على نحو أكثر شمولاً، واقترح التركيز على احتياجات الأشخاص مع العمل على تعزيز المؤسسات، وسلط الضوء على أهمية العمل على نحو تعاوني بدءاً من المؤسسات التي تتبع نهجاً يتجه من القمة إلى القاعدة ووصولاً إلى الجمعيات التي تتبع نهجاً يتجه من القاعدة إلى القمة، وذلك بغرض سد الفجوات وكفالة إعلاء سيادة القانون والحكم الرشيد وحقوق الإنسان.

وفي الختام، شدد كبير الإحصائيين في مفوضية حقوق الإنسان على ضرورة المساءلة والرقابة والأطر التنظيمية والحكم الرشيد لمعالجة آثار الفجوات الرقمية، ومن خلال جعل البشر محوراً لهذه الجهود، يمكن للأفراد الاستفادة من حقوق الإنسان المكفولة لهم سواء على شبكة الإنترنت أو خارجها.

المناقشة التحاورية 

ذكر التقرير أنه خلال المناقشة التحاورية، تناول الكلمة ممثلو الدول الأعضاء والدول المراقبة أذربيجان وبولندا، وتوغو، وليتوانيا، والمكسيك، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية والمنظمتين غير الحكوميتين معهد جنيف للدراسات العليا ومؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان.

وسلط معظم المتكلمين الضوء على أهمية الاعتراف بالفجوة الرقمية بوصفها عاملاً حاسماً يؤثر على الرخاء الوطني ورفاه البشر في جميع أنحاء العالم، وأصبح الوصول إلى الإنترنت وطرق الدفع الرقمية والخدمات الاجتماعية الرقمية الآن أدوات أساسية للتمتع بمختلف حقوق الإنسان. 

وذكرت بعض الوفود أن حكوماتها عالجت هذه القضية وجعلت من الرقمنة والاقتصاد الرقمي نقطة محورية في استراتيجياتها الإنمائية الشاملة للجميع، وشرعت في تنفيذ العديد من البرامج والمشاريع على مدى العقد الماضي، وهو ما أسفر عن نتائج ذات أهمية.

وأشار أحد الوفود إلى تنفيذ برامج أدت إلى تبسيط الإجراءات الإدارية، وجعلها غير ورقية، وهو ما أدى إلى تحسين نوعية الخدمات المقدمة إلى الجمهور، وتعزيز الشفافية في العمليات الحكومية، وعلى الرغم من إحراز تقدم كبير، ينبغي استكمال الجهود الوطنية بدعم من الشركاء الاستراتيجيين والتعاون الدولي لسد الفجوة الرقمية في جميع أنحاء العالم.

وسلطت معظم الوفود الضوء أيضاً على أهمية الشمول الرقمي، الذي ينطوي على مشاركة هادفة من مختلف أصحاب المصلحة في تطوير التكنولوجيات الرقمية واستخدامها وحوكمتها وتقييم أثرها.

وشددوا على أن الشفافية والشمول أمران حاسمان لمنع إساءة استخدام التكنولوجيات الرقمية، التي يمكن أن تشكل مخاطر على حقوق الإنسان وسيادة القانون، ودعت معظم الوفود أيضاً إلى وضع قواعد ونظم حكومية تغرس الثقة في نفوس الأفراد، وتضمن لهم عدم تبادل بياناتهم واستخدامها إلا بطريقة مسؤولة وممتثلة للحقوق، ويمكن بناء توافق في الآراء حول مبادئ شاملة، بما في ذلك ضمان اتباع معايير عالية لحماية البيانات تدعم حقوق الإنسان وسيادة القانون وتهيئة وضمان بيئة تمكينية لتسهيل تدفقات البيانات الموثوقة عبر الحدود.

ودعا معظم المتكلمين إلى اتباع نهج أكثر شمولاً إزاء الوصول إلى الخدمات الرقمية، لا بالنظر إلى توافر التكنولوجيا فحسب، وإنما في حوكمتها وتأثيرها على أوجه عدم المساواة القائمة كذلك، وشدد بعض المتكلمين على أن الهدف الرئيسي ينبغي أن يكون ضمان المساواة في التمتع بحقوق الإنسان وأن الأدوات الرقمية ينبغي أن تخدم هذا الهدف لا أن تؤدي إلى تفاقم التفاوتات، وشدد أحد الوفود أيضاً على الدور المهم للقطاع الخاص، الذي يجمع ويدير كميات هائلة من البيانات، وهو ما يستلزم تنظيماً مناسباً.

وسلط أحد المتكلمين الضوء على أن العديد من نظم الذكاء الاصطناعي والخوارزميات مبنية على معارف مستمدة في الغالب من أفراد بيض وذكور وناطقين بالإنجليزية في البلدان مرتفعة الدخل، وهو ما يثير تساؤلات حول كيفية تشجيع المجتمعات المهمشة على إنشاء المحتوى والتغلب على قمع نظم معارف الشعوب الأصلية وغير الغربية القائم بحكم الواقع.

الجلسة المواضيعية الثانية

وأدار الجلسة المواضيعية الثانية الممثل الدائم لبولندا لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية  الأخرى في جنيف كوخ أندرسن. 

وسلط أندرسن الضوء على التأثير العميق للتكنولوجيا -ولا سيما التطورات الرقمية مثل تقنية سلسلة الكتل وتعلم الآلة والذكاء الاصطناعي- على الحوكمة وحقوق الإنسان وجهود مكافحة الفساد. 

وأقر بقدرة هذه التكنولوجيات على التصدي للفساد والحد من الفقر وتحسين النشاط الاقتصادي وتعزيز العدالة الاجتماعية. 

وشدد أيضاً على أهمية الرقمنة في النظم الحكومية وتقديم الخدمات ومشاركة المواطنين لتعزيز الشفافية والحوار الديمقراطي، غير أنه حذر من إساءة استخدام التكنولوجيا، التي يمكن أن تسهل الفساد والرقابة والسيطرة على السكان وانتشار المعلومات المضللة.

ومن الشواغل الرئيسية الفجوة الرقمية القائمة، التي تنبع من التفاوتات في الوصول والمعرفة والقدرات والبنى التحتية ولئن كان تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي يحملان في طياتهما القدرة على سبر أغوار العلاقات المعقدة بين الفساد وحقوق الإنسان، فقد سلط الضوء على أنهما يحملان أيضاً خطر تعزيز التحيزات والأحكام المسبقة القائمة، وتتطلب هذه الحالة اتباع نهج استباقي لضمان إدماج مبادئ حقوق الإنسان في تصميم التكنولوجيا وتشغيلها منذ البداية، بما في ذلك الحاجة إلى خصوصية المستعملين وملكية البيانات واستكشاف نماذج أعمال جديدة تستند إلى تكنولوجيا المصادر المفتوحة.

واختتم كلمته بالإشارة إلى أن التصدي لهذه التحديات يتطلب تعاوناً بين الهيئات التنظيمية الدولية وشركات التكنولوجيا والحكومات، وشدد أيضاً على الحاجة إلى نهج مبتكرة للهيكل التكنولوجي تعطي الأولوية إلى مبادئ حقوق الإنسان والشفافية وشمول الجميع والقدرة على التكيف، وفي نهاية المطاف، ينبغي السعي إلى النهوض بالحكم الرشيد والإنصاف الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وجهود مكافحة الفساد، بما في ذلك إشراك المجتمع المدني والسكان عموماً، في رسم ملامح مستقبل العالم الرقمي.

ولمواجهة هذه التحديات وجعل المستقبل الرقمي أكثر شمولاً للجميع، شدد المتكلم على الحاجة إلى الاعتراف بقدرة البشر على قيادة أنفسهم ودعم التنمية البشرية من خلال الرقمنة، وشدد على أهمية سد الفجوة الرقمية، وجمع مقاييس أفضل، وتنفيذ نهج يشمل المجتمع بأسره يتضمن داخله استراتيجيات متعددة المستويات ومتعددة القطاعات والتخصصات.

المناقشة التحاورية

 وخلال جلسة المناقشة التحاورية، أعرب معظم المتكلمين عن قلقهم إزاء اتساع الفجوات الرقمية والتفاوتات المعرفية في ما بين البلدان وداخلها على السواء، وشددوا على أن الدبلوماسية الرقمية المتزايدة والاعتماد على الأدوات الرقمية لا سيما في حقبة ما بعد كوفيد-19 يمكن أن يؤديا إلى تفاقم عدم المساواة الرقمية، ومن المهم للغاية سد هذه الفجوات من خلال رفع مستوى التأهب الرقمي، وتعزيز البنية التحتية لتكنولوجيا  المعلومات والاتصالات، وتيسير نقل التكنولوجيا. 

وشدد العديد من المتكلمين على أهمية تعزيز الرقمنة التي تحترم حقوق الإنسان وتعزز التعليم وتحد من أوجه عدم المساواة وتدعم تحسين الحوكمة وتحفز النمو الاقتصادي والبحث والابتكار ومحو الأمية الرقمية، وأعربوا كذلك عن قلقهم إزاء إساءة استخدام التكنولوجيات الرقمية في المعلومات المضللة والترصد الجماعي، وهو ما قد يؤدي إلى انتهاكات حقوق الإنسان وتآكل الشفافية والثقة، وشددوا على  الحاجة إلى تحلي المسؤولين الحكوميين وصناع القرار بالمهارات الرقمية لضمان الاستخدام الآمن والفعال للتكنولوجيا ومنع الضرر الذي يلحق بالمستخدمين.

وشدد أحد المتكلمين على ضرورة أن تقدم المنظمات الدولية والبلدان المتقدمة مساعدة مالية لدعم جهود الرقمنة الجارية في البلدان النامية، وستشمل هذه المساعدة تدريب الموظفين العموميين على الاستخدام الفعال للخدمات الرقمية. 

وأعرب متكلم آخر عن قلقه إزاء احتمال إساءة استخدام التكنولوجيا الرقمية، ولا سيما في ما يتعلق بالترصد والمراقبة، وأشار المتكلم إلى أهمية ضمان استخدام التكنولوجيات الرقمية بمسؤولية بغية تحسين المجتمع، وأعربا عن مخاوفهما من العواقب السلبية المحتملة إذا وقعت هذه التكنولوجيات في أيدي من يسيئون استخدامها.

وذكر كوخ أندرسن، في ملاحظاته الختامية، أن دور مجلس حقوق الإنسان والمجتمع الدولي يتمثل في التفكير في كيفية إدماج مبادئ حقوق الإنسان في 3 مجالات رئيسية والمضي قدماً في مناقشة هذه المبادئ، بما في ذلك بنية النظم، أي كيفية تصميم البنى التحتية الرقمية وثني البيانات والمناقشة الأساسية المتعلقة بملكية البيانات من الدولة ومؤسسات الأعمال إلى الناس أنفسهم، وكيفية تعيين أو تعريف فئات جمع البيانات ومؤشرات القياس لأن تلك الفئات ستحدد التاريخ الذي يجب تحديده وما الذي يجب العمل عليه. 

وفي ختام حلقة النقاش، سلطت مديرة شعبة الأنشطة المواضيعية والإجراءات الخاصة والحق في التنمية، في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، الضوء على أهمية الحكم الرشيد في حماية حقوق الإنسان وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. 

وأقرت بدور التكنولوجيا في إعادة تشكيل الإدارة الحكومية لا سيما خلال جائحة كوفيد-19، لكنها شددت أيضاً على المخاوف المتعلقة بالفجوة الرقمية وتأثيرها على أوجه عدم المساواة والتفاوتات في الرعاية الصحية. 

وأوصت المديرة بالتركيز على معالجة الفجوة الرقمية من خلال تخطي الحواجز الاجتماعية الاقتصادية الأساسية، واستخدام النهج القائمة على حقوق الإنسان وضمان الشفافية والخصوصية والمساءلة. 

وشددت على أهمية الوصول إلى الإنترنت في إعمال مختلف حقوق الإنسان، مثل التعليم وحرية تكوين الجمعيات والصحة. 

وأثارت المديرة أيضاً شواغل بشأن أوجه التقدم التكنولوجي، بما في ذلك المسائل المتصلة بجمع البيانات والخصوصية والأمن، وشددت على ضرورة بذل العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان عند تنفيذ التكنولوجيات الجديدة في القطاع العام. 

وفي الختام، حثت المديرة على ضرورة أن تكون حقوق الإنسان محورية في السياسات والقرارات المتعلقة بالتكنولوجيات الرقمية، ودعت إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لسد الفجوة الرقمية. 

 الاستنتاجات والتوصيات 

 الفجوة الرقمية هي في الأصل، قضية من قضايا حقوق الإنسان: فيقع على عاتق الدول التزام مفاده حماية جميع حقوق الإنسان وإعلاؤها، ومن الضروري ضمان تطبيق مبادئ حقوق الإنسان على شبكة الإنترنت تماماً كما هو الحال خارجها من أجل معالجة قضايا من قبيل حماية البيانات والهوية الرقمية وتقنيات الترصد والعنف والتحرش.

وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن مزيد من الفجوات الرقمية داخل الدول وفي ما بينها، وثمة حاجة ملحة لمعالجة الفوارق الرقمية بين المناطق وبين الجنسين وفهم تأثيرها على عدم المساواة وسد الفجوات الرقمية بالاكتفاء بتوفير سبل الوصول إلى الإنترنت والكهرباء، وينبغي للدول أن تضع أطرا قانونية تدعم المساواة في الحصول على التكنولوجيا، ولا سيما في حالة الفئات المهمشة. 

ويؤدي الحكم الرشيد دوراً محورياً في التخفيف من أثر الفجوات الرقمية على حقوق الإنسان، ويكتسي بذل العناية الواجبة من منطلق حقوق الإنسان أهمية كبيرة عند دمج التكنولوجيات الجديدة في القطاع العام. 

وينبغي للدول أن تعزز التعاون بين القطاعين العام والخاص في التصدي لتحديات الفجوة الرقمية  وأن تعمل مع القطاع الخاص وأن تضطلع بأنشطة التنظيم من أجل ضمان الامتثال لحقوق الإنسان المتعلقة بالتكنولوجيا الرقمية، مع التركيز على الحلول التكنولوجية سهلة المنال ميسورة التكلفة.

وينبغي إعطاء الأولوية للجهود الرامية إلى سد الفجوات الرقمية، ولا سيما بالنسبة لمن يعانون من التهميش من الأشخاص والجماعات، بمن في ذلك النساء والأشخاص ذوو الإعاقة والمهاجرون وكبار السن والشباب وسكان الريف والشعوب الأصلية. 

وينبغي للدول أن تعمل على اتباع نهج مختلط لسد الفجوة الرقمية، مع التركيز لا على توفير الأدوات فحسب، وإنما على تيسير المشاركة الهادفة في التكنولوجيا كذلك، وينبغي أن تشمل تدابير الحوكمة الرامية إلى معالجة الفجوات الرقمية تحسين الإلمام الرقمي وخفض تكلفة الاتصال بالإنترنت، وفي وسع المجتمعات المهمشة المساعدة في العثور على حلول للتحديات التي تواجهها عندما تكون  مجهزة بالدعم المناسب والأدوات الرقمية.

 وفي حين أن أوجه التقدم التكنولوجي في نظم المعلومات والاتصالات تنطوي على طاقات كبيرة يمكن أن تفيد في مكافحة الفساد ودعم حقوق الإنسان، بما في ذلك الحد من الفقر وتحقيق الإنصاف الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، فيمكن أيضاً استخدامها لتيسير ارتكاب الانتهاكات والفساد وإضعاف سيادة القانون، وتقويض ثقة الجمهور في المؤسسات والحكومة. 

وبغية ضمان أن تؤدي الرقمنة إلى تخفيف الفساد، ينبغي للدول أن تنفذ استراتيجيات لإقران الأدوات الجديدة بتحولات في المعايير والسلوكيات في مجال الخدمة المدنية. 

وينبغي للدول أن تعمل على التصدي للتحديات التي تفرضها خوارزميات تعلم الآلة وأن تعمل على تعميم مراعاة المنظور الجنساني في السياسات الرقمية، وينبغي استخدام الحلول القائمة على التكنولوجيا لمنع العنف الجنساني والتصدي له، وتعزيز شمول الجميع والسلامة.

وتؤدي الدول دوراً حاسماً في تهيئة بيئات تنظيمية تعزز شمول الجميع من أجل ضمان جمع البيانات بشكل صحيح والحيلولة دون وقوع التحيز، وثمة حاجة ملحة إلى إعادة التوازن إلى مجموعات البيانات وآليات جمع البيانات التي تهمش النساء والفئات الضعيفة من السكان، وينبغي للدول أن تعمل مع المجتمع المدني والقطاع الخاص للتصدي للتحديات التي تفرضها تكنولوجيات الاتصال وخوارزميات الذكاء الاصطناعي. 

وثمة حاجة ملحة إلى معالجة الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي وقدرته على تعميق أوجه عدم المساواة وتهديد حقوق الإنسان، وينبغي للدول أن تدعو إلى وضع حدود واضحة وآليات حوكمة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان

تشهد جنيف حاليا فعاليات الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف، والتي تعقد خلال الفترة من 26 فبراير إلى 5 أبريل 2024، للاستعراض الدوري الشامل، بهدف توفير مساعدة تقنية للدول، وتوطيد قدرتها على معالجة تحديات حقوق الإنسان لديها.

ويضم مجلس حقوق الإنسان الدولي 47 دولة، بينها 7 دول عربية، هي المغرب والجزائر والكويت وقطر والصومال والسودان والإمارات، وتشهد هذه الدورة حضورا بارزا للقضية الفلسطينية على جدول أعمالها.

ويضم مكتب مجلس حقوق الإنسان، كلا من رئيس المجلس السفير عمر زنيبر عن المغرب، و3 نواب الرئيس ومقرر، وهم سفراء إندونيسيا وباراغواي وفنلندا وليتوانيا، فيما يضم الفريق الاستشاري للمجلس سفراء تشيلي والعراق وأرمينيا واليونان.

خلال هذه الدورة تُناقش حالة حقوق الإنسان في فلسطين، إلى جانب تقرير الأمين العام عن حقوق الإنسان في الجولان السوري المحتل، وتقرير المفوض السامي عن المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وفي الجولان السوري المحتل، وكذلك تقرير المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 فرانشيسكا ألبانيز.

ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).

يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية